الحملة الصليبية الثالثة و معاهدة الصلح مع ريتشارد قلب الاسد 1192م
كان لسقوط القدس في يد المسلمين رد فعل جنوني في أوروبا ، فقد قام بطريرك القدس الذي تركه صلاح الدين يرحل بالطواف في بلاد أوربا ( الفرنجة) و معه صورة رجل عربي يضرب المسيح ليحثهم علي الأخذ بالثأر لبيت المقدس، و قام البابا كليمنت الثالث بالتبشير بحرب صليبية و هي ما عرفت بالحرب الصليبية الثالثة.
فقام فريدريك بارباروسا في ألمانيا و ريتشارد قلب الأسد في انجلترا و فيليب في فرنسا بإعداد الحملة الصليبية الثالثة، و سارت الجيوش الثلاثة كل في طريق منفصل.
انحرف ريتشارد ليستولي علي قبرص ، أما فريدريك بارباروسا فسار من طريق بلاد البلقان و لكنه غرق عندما كان يعبر نهراً في صقلية.
فضل صلاح الدين الدخول في مفاوضات مع الحملة قبل اللجوء إلي الحرب ، و لإثبات حسن النية أفرج عن الأسري الصليبيين و منهم الملك جي بعد أن أقسموا ألا يقاتلوا المسلمين مرة أخري. و لكن رد الصليبيين جاء بأن يسلم صلاح الدين القدس إلي الصليبيين و يسحب جيشه إلي مصر.
فشلت المفاوضات و بادر الصليبيون بالهجوم علي عكا و حصارها. و تدفقت امدادات الصليبيين من ميناء صور (تيري) الميناء الوحيد الذي لم يستولي عليه المسلمون. صمدت الحامية المدافعة عن عكا أمام الحصار، و استطاعت سفينة امداد من مصر أن تفلت من الحصار و تصل إلي أهالي المدينة الذين انتشرت فيهم المجاعة. استمر الحصار اثنين و عشرين شهراً حتي استسلمت عكا في يوليو 1191م.
و بتأمين عكا و صور تدفقت الجيوش الصليبية علي طول السواحل، و احتل ريتشارد حيفا و عسقلان و لكنه لم بتسرع في الاتجاه إلي القدس، و فضل أن يكسب بالفاوضات ما يمكن الا يكسبه بالحرب. و لكن صلاح الدين كان يراهن علي أن ريتشارد لن يستطيع أن يبقي طويلاً و يترك انجلترا و ما فيها من مؤامرات علي عرشه.
في مايو 1192 م عادت الحرب و تقدم ريتشارد نحو القدس علي أمل الحصول عليها و لكنه رأي كيف أن المسلمين مصممين علي الدفاع عنها، فانسحب خائفاً من أن يفقد ماء وجهه.
و تجددت المفاوضات و في يونيو 1192 م لم يستطع ريتشارد أن يؤجل عودته إلي انجلترا أكثر من ذلك، فقد كانت إنجلترا تموج بالفتن و محاولات أخوه جون الاستيلاء علي العرش. فتمت اتفاقية بين صلاح الدين و ريتشارد قلب الأسد تسمي صلح الرملة بموجبه يتنازل صلاح الدين عن بعض المدن علي الساحل للصليبيين بين صور و يافا بما فيها عكا و حيفا و قيسارية علي أن يحتفظ صلاح الدين بكل ما تبقي من فلسطين بما فيها القدس و عسقلان ، كما نص الصلح علي السماح للصليبيين بالحج لبيت المقدس.
و انتقل العرش الصليبي من بيت المقدس إلي إمارة طرابلس التي زادت قوتها بانتقال ملوك بيت المقدس إليها و الذين سيقيمون فيما بعد إمارة جديدة هي إمارة بيروت بين البترون و صيدا، و التي ظلت مصدر تهديد للمسلمين حتي استعادها السلطان بيبرس في العصر المملوكي.
بعد عقد صلح الرملة اعتبر فيليب اغسطس أن مهمته قد انتهت، و أنه أبر بقسمه ” أن يفتح الطريق إلي بيت المقدس”، و اقلع إلي بلاده من ميناء عكا في 8 يونيو 1192 م.
أما ريتشارد قلب الأسد فقد حج إلي بيت المقدس، ثم اتجه إلي قبرص ووضع يده عليها و أقطعها للفارس جي دي لوزنيان، ثم عاد إلي بلاده في أكتوبر 1192 م.
0 comments:
إرسال تعليق