السبت، ١٢ يناير ٢٠١٣

علي بك الكبير و محاولات الاستقلال عن الخلافة العثمانية

علي بك الكبير
أدي النظام الإداري الذي ابتدعه العثمانيون في الولايات التابعة لهم إلي كثرة المنازعات بين فرق الحامية العسكرية و أمراء المديريات من المماليك و بينهم و بين الوالي . فانتهز المماليك هذه الفرصة و عملوا علي الإنفراد بالحكم حتي تغلبت سلطتهم فعلاً علي سلطة الوالي بدايةً من النصف الثاني من  القرن السابع عشر.
و قد ساعدهم علي ذلك ضعف الدولة العثمانية منذ أواخر القرن السابع عشر بسبب الحروب الخارجية و اختلال شئونها الداخلية حتي أصبحوا يعزلون الوالي الذي لا يرضون عنه.
و انتهي الأمر إلي تطلع البكوات المماليك الذين صار يطلق علي زعيمهم لقب شيخ البلد إلي الانفراد بالحكم دون رجال السلطان.
كان علي بك مملوكاً من أصل جركسي من منطقة القوقاز، بيع في سوق القسطنطينية، ثم اشتراه إبراهيم كتخدار القازدغلي المعروف بإبراهيم كتخدا، أحد أمراء المماليك في مصر سنة 1745 م. و لكنه امتاز بقوة الشخصية و الطموح، لذلك تدرج في المناصب القيادية حتي تولي منصب شيخ البلد سنة 1763 م، و هو منصب يلي منصب الولي العثماني لمصر في الأهمية.
انتهز علي بك فرصة حروب الدولة العثمانية مع روسيا سنة 1768 م،  فعزل الوالي العثماني محمد الأورفلي و منع قدوم غيره، و امتنع عن دفع الخراج للسلطان العثماني، و ضرب النقود باسمه و بذلك صار الحاكم الفعلي لمصر و استقل بها عن العثمانيين عام 1769م.
و لكن نظراً لطموحه الكبير، عمد علي بك إلي إرسال قائده محمد أبو الدهب لإخضاع الحجاز لسلطانه، فنجح محمد أبو الدهب سنة 1770 م / 1184 هج. كما استولي علي الشام و دخل دمشق و أخضعها لسلطان علي بك. و بذلك امتد سلطان محمد بك الكبير ليشمل مصر و الحجاز و الشام في أقل سنتين.
لم يكن العثمانيين قادرين علي التصدي لقوة علي بك الكبير، لذلك عمدوا إلي استمالة محمد أبو الدهب إليهم، و أغروه بمشيخة مصر مقابل أن ينقلب ضد سيده علي بك الكبير فوافق محمد أبو الدهب، و رجع بالجيش من الشام إلي مصر ليطرد علي بك، و تقابل مع علي و هزمه و طرده من مصر.
فقام علي بك بالذهاب إلي الشام و تجميع جيش ليسترد به مصر، و سار إلي مصر لمقابلة جيش محمد أبو الدهب. و لكنه هُزم في موقعة الصالحية و أُخذ أسيراً و مات في سجنه سنة 1773 م / 1187 هج.
تربة علي بك الكبير بالقرب من قبة الإمام الشافعي
و بذلك عادت مصر مرة أخري للعثمانيين الذين ولوا محمد أبو الدهب المشيخة مكافأة له علي خيانته لمحمد بك الكبير.

إبراهيم بك و مراد بك
حكم محمد بك أبو الدهب سنتين ثم توفي، و خلفه علي عرش مصر ثلاثة أمراء مماليك هم اسماعيل بك و إبراهيم بك و مراد بك. و لكن الأخرين اتفقا ضد الأول، وظلا يحكمان مصر حتي جاءت الحملة الفرنسية سنة 1798 م .
مراد بك (كتاب وصف مصر)
و لقد كثرت مظالم حكم إبراهيم بك و مراد بك في فرض الاتاوات و جمع الجبايات. حتي ضاق الناس بهذا الحال، فاجتمع علماء الأزهر في أوائل ذي الحجة سنة 1209 هج /يونية 1795 م، و قرروا إغلاق جامع الأزهر، و أبطلوا الدروس و أمروا الناس فأغلقوا الحوانيت و الأسواق، و تجمعوا في بيت الشيخ السادات.
حضر إليهم مندوب إبراهيم بك فطالبوه برفع المظالم و إلغاء الضرائب و الحكم بالشرع و العدل. فأبي المندوب ذلك و قال ” لا يمكن الاجابة إلي هذا كله، فاننا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش”. فقال له المشايخ : ” إن هذا ليس بعذر عند الله، و لا عند الناس. و ما الباعث علي الاكثار من النفقات و شراء المماليك ( العبيد). و الأمير يكون أميراًٍ بالعطاء لا بالأخذ”.
و اجتمعت جموع الشعب عند الأزهر و قادهم شيوخ الأزهر ، و انتشرت الثورة في كل مكان. فخشي مراد بك من ثورة الشعب فوافق علي مطالب الناس و تعهد برفع المظالم و الضرائب و المكوس و الكشوفيات و التفاريد، و كتبوا وثيقة بهذه المبادئ،  و وقعها مراد بك و إبراهيم بك و أقرها الوالي العثماني




0 comments:

إرسال تعليق