هو أبو علي منصور، الحاكم بأمر الله ابن العزيز بالله. ولد في مصر عام 375 هج. ثالث الخلفاء الفاطميين في مصر. تولي الخلافة بعد وفاة أبيه العزيز بالله عام 386 م هج.
كان غريب الأطوار، متقلب المزاج، و صفه بعض المؤرخون بصفات قد تبدو متناقضة فهو جواد و خبيث في نفس الواقت، ردئ الاعتقاد و سفاك للدماء، فقتل الكثير من رجال دولته.
كان غريب السيرة، خرج بأمور عجيبة و سياسات غريبة فرضها علي الرعية ثم عدل عنها. أمر بسب الصحابة عمر بن الخطاب و أبي بكر الصديق و السيدة عائشة و طلحة و الزبير و معاوية و عمرو بن العاص علي أبواب المساجد و الشوارع في كل أقطار مصر عام 395 هج، و لكنه في عام 397 رجع عن ذلك و أمر بمحوه.
و نهي عن بيع العنب حتي لا يستخدم في صناعة النبيذ، و نهي أكل الملوخية و عن التنجيم، في الوقت الذي كان هو يستطلع النجوم. و منع صلاة التراويح عشر سنين، ثم أباحها.
بني جامع الحاكم الذي بدأه ابوه العزيز و أتمه هو عام 1003 م و سماه جامع الحاكم. كما أنشأ دار الحكمة عام 1005 م لدراسة المذهب الشيعي و أنشأ بها مكتبة تنافس مكتبات بغداد و قرطبة.
و منع النساء من الخروج من بيوتهن ليلاً و نهاراً سنة 405 هج، و ظل الأمر كذلك حتي قتل عام 411 هج.
ألبس اليهود عمائم سوداء و منعهم من استخدام حمامات المسلمين و بني لهم حمامات علي حدة، و منعهم من أن يركبوا السفن مع المسلمين أو يستخدموا غلاماً مسلماً.
كما أجبر المسيحيين علي لبس صلبان و أجراس ثقيلة في رقابهم، و لم يترك ديراً أو كنيسة إلا و هدمها. كما هدم كنيسة القيامة في القدس عام 398 هج. و لكنه عاد و بني ما تهدم من الكنائس مرة أخري.
و نهي عن تقبيل الأرض بين يديه و الصلاة عليه في الخطب، و جعل مكان الصلاة عليه: السلام علي أمير المؤمنين.
ثار عليه أبو ركوة الوليد بن هشام الأموي الأندلسي في برقة، و انضم إليه الكثير من الناس، فأرسل له جيشاً لقتاله، و لكن أبو ركوة تغلب عليه، فأرسل إليه جيشاً آخر بقيادة الفضل بن عبد الله الذي استطاع أن يأسر أبي ركوة و يحمله إلي الحاكم الذي أمر بضرب عنقه سنة 397 هج.
أدعي الحاكم الألوهية في أواخر أيامه، و صنف له أحد أتباعه و يدعي محمد بن اسماعيل الدرزي كتاباً عن ألوهيته، و صار يدعو به بين الناس، فثاروا عليه و أرادوا قتله، فهرب منهم إلي الشام، فأمده الحاكم بالأموال وقال له: أخرج إلي الشام و انشر الدعوة في الجبال، فإن أهلها سريعو الانقياد”. و من هنا نشأ المذهب الدرزي في الشام.
و ذكر ابن خلكان قصة غريبة أنه في أحد مجالس الحاكم قرأ أحد الحاضرين قوله تعالي ” فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما” صدق الله العظيم( النساء – 65). و كان القارئ يقصد الحاكم. فقام شخص صالح يدعي ابن المشجر، فرد بقوله تعالي ” يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب و المطلوب، ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز” (الحج – 73- 74). و لم يخش بطش الحاكم بأمر الله. و لكن الناس نصحوه بالخروج من مصر خوفاً من أن ينقلب الحاكم عليه و يقتله. فخرج ابن المشجر من مصر قاصداً الحج، و لكن السفينة غرقت به. فرآه صاحبه في المنام يقول له ” ما قصٌر الربان معنا، أرسي بنا علي باب الجنة”.
و كان الحاكم يعشق الركوب بالليل و التنزه علي حماره و التأمل في النجوم من فوق جبل المقطم.
و كان المصريون يكرهونه لبطشه بهم و إدعائه الأولوهية ، و كانوا يلقون في طريقه أوراق مكتوب عليها سبه و تقبيحه. و في أحد المرات قام المصريون بعمل تمثال امرأة من القراطيس و كان في يدها ظلامة ( شكوي)، و وضعهوا التمثال في طريقه أثناء تنزهه في الليل. فظن أنها امرأة و أخذ منها ظلامتها، و قرأها فوجدها كلها سب و تقبيح له، فقال لعساكره أنظروا من هذه المرأة، فعلم أنها من قراطيس. فأغتاظ بشدة، و رجع إلي قصره و استدعي قواده و أمرهم بالنزول إلي الفسطاط و ضربها بالنار و نهبها و قتل من يجدوه من أهلها. فخرج العساكر و أشاعوا القتل و النهب في مصر ( الفسطاط)، و تصدي لهم المصريون و دارت المعارك في الشوارع ثلاث أيام حتي مال أكثر العساكر في صف المصريين ضد جنود الحاكم. فلما وجد الحاكم أن الأمور لا تجري في صالحه و قد تؤدي إلي ثوره الجند و العامة عليه و قتله، فأمر بقية العساكر و العبيد بالكف عن القتل و النهب.
و كان الحكم الفاطمي في عهده يشمل مصر و إفريقيا و الحجاز و الشام.
أما عن موته فقد اتفقت الروايات أن أخته ست الملك هي التي دبرت قتله مع ابن الدواس بواسطة عبيده عندما خرج للتنزه في صحراء حلون عام 411 هج، و لم يُعثر علي جثته أبداً.
قتل الحاكم بأمر الله و هو في السادسة و الثلاثين من عمره بعد أن أمضي خمسة و عشرين عاماً علي ولاية مصر. و تولي الملك بعده ابنه الظاهر وكان لا يزال طفلاً.
0 comments:
إرسال تعليق