الثلاثاء، ٨ يناير ٢٠١٣

رينو يقتله عبد فقير بإذن الله

بعد أن استطاع صلاح الدين أن يوحد مدن الشام مع مصر تحت إمرته، ظل يتحين الفرصة للقيام بالهجوم الكبير علي مملكة القدس، و هي تمثل أكبر الإقطاعيات التي احتلتها الحملة الصليبية الأولي، و تضم مدينة القدس.
أما علي الجانب الصليبي، فكان هناك من الصليبيين من يدرك خطورة صلاح الدين و خاصة بعد توحيد مدن الشام، و يؤثر المهادنة، مثل ريموند الطرابلسي. و منهم من كان لا يكف عن مناوشة المسلمين و الاعتداء علي قوافلهم غير عابئ بجيوش صلاح الدين التي تقع علي مرمي حجر من الممالك الصليبية، و هو رينالد دي شاتيون، أو كما يسميه العرب برنس أرناط أو رينو ، صاحب حصن الكرك.
و حصن الكرك هو حصن عتيد يقع علي طريق القوافل بين مصر و الشام، و بين فلسطين و طريق الحج إلي مكة و المدينة، و اسماه العرب حصن الغراب تشاؤماً منه.
و نظراً لأهميته الاستراتيجية و تحكمه في طريق التجارة و الحج، حاول صلاح الدين أن يستولي عليه مرتين، مرة في عام 1173 م ، و مرة أخري في عام 1184 م ، و لكنه فشل في المرتين، و ذلك لحصانته، فهو مجهز بكل شئ بحيت يستطيع أن يتحمل الحصار لمدة سنة كاملة.
أما رينالد، أو كما يسميه العرب أرناط، فهو أحد صغار النبلاء في فرنسا، جاء مع الحملة الصليبية الثانية عام 1147م للهجوم علي دمشق و استعادة إمارة الرها التي سقطت في يد المسلمين بقيادة عماد الدين زنكي. و لكن الحملة فشلت في تحقيق أهدافها.
اشتهر رينالد بعنفه و بربريته، فكان في حروبه يقتل بدون داع و يمثل بجثث القتلي و يغتصب النساء، حتي سقط في كمين لجنود المسلمين عام 1160 م أثناء قيامه بسرقة الماشية، و ألقي به في سجن حلب، و ظل في الأسر 16 عاماً. و لكن في عام 1176م أُطلق سراحه نظير فدية كبيرة قدرها 12 ألف دينار.
بعد خروجه من السجن، تزوج رينالد بإحدي النبيلات في مملكة القدس تدعي ستيفاني، و بالتالي أصبح عن طريق الزواج أميراً لحصني الكرك و الشوبك الواقعين بالقرب من البحر الميت.
كانت السنوات التي قضاها في الأسر قد أورثته عداوة كبيرة للمسلمين فوق ما كان عليه من وحشية و بربرية. فعزم عام 1182 – 1183 م علي مهاجمة قلب الإسلام، مدينتي مكة و المدينة، و توعد بتدميرهما و إخراج الرسول محمد صلي الله عليه و سلم ” سائق الجمل” من قبره، و هدم الكعبة.
و بدأ بالفعل في بناء أسطول من السفن، و قام بتجربته في البحر الميت. ثم قام بتفكيكه و حمله علي الجمال حتي شاطئ البحر الأحمر، ثم قام بتركيبه و صنع منه أسطول ضخم، و أبحر به متجهاً إلي مكة و المدينة عن طريق البحر.
و في طريقه في البحر دمر و خرب و أحرق القري المسلمة علي شاطئي الحجاز و مصر . و لقد أثار هذا الهجوم موجة من الرعب و الغضب في العالم الإسلامي. فلم يحدث في تاريخ الإسلام أن تجرأ الأعداء علي مهاجمة مكة و المدينة للنيل من قبر الرسول و هدم الكعبة.
لم يكن رينالد و أسطوله بعيداً عن المدينة سوي ببضعة أميال عندما أدركه أخو صلاح الدين و جيشه و هزموا جيش رينالد ، و أسروا كثيراً من قواده. و لكنه استطاع هو الهرب و العودة إلي حصنه بالكرك. و بسبب تلك الواقعة أقسم صلاح الدين أن يقبض علي رينالد و يقطع رأسه بيده.
لم ينتظر صلاح الدين كثيراً، ففي عام 583 هج / 1187 م هاجم رينالد قافلة تجارة كانت متجهة من القاهرة إلي دمشق. و كانت القافلة فيها أخت صلاح الدين. فقام رينالد بقتل الحراس، و أسر كل من في القافلة بما فيهم أخت صلاح الدين، و سلب الجمال و ما عليها من تجارة.
و عندما أحتج الأسري علي الهجوم لأنه يعد خرقاً للهدنة التي بين صلاح الدين و الصليبيين، صرخ رينالد في وجوههم ” دعوا محمداً يخلصكم”.
وصل رد رينالد إلي صلاح الدين، فعزم علي القيام بالهجوم الكبير الذي ظل يعد له عشر سنوات كاملة. و في شهر مارس من عام 1187 م دعي صلاح الدين المسلمين في كل أنحاء العالم الإسلامي للجهاد.
و في مساء يوم 7 يوليو 1187 م ، يوم حطين، كان رينالد دي شاتيون يقف أسيراً ذليلاً مع الملك جي، ملك بيت المقدس،ً في خيمة صلاح الدين الأيوبي. كان الخوف ظاهراً علي ملك بيت المقدس. و لكن رينالد كان أكثر هدوءا و تماسكاً.
أعطي صلاح الدين كأساً من ماء الورد للملك جي، الذي شرب منه، ثم مرر الكأس لرينالد.
و هنا قال صلاح الدين ” لم آذن لك في سقيه الماء حتي لا يوجب ذلك أماناً له”
ثم ألتفت صلاح الدين لرينالد و قال له: ” أشرب، فلن تشرب ثانيةً “.
و ذكٌر صلاح الدين رينالد بنقضه العهود، فأجاب رينالد ” هكذا تفعل الملوك دائماً، و ما فعلت أكثر مما فعلوا”.
و تابع صلاح الدين : ” لو أنك أسرتني كما أسرتُك، يا أمير شاتيون، ماذا كنت تفعل ؟”
فأجاب شاتيون : ” لو أعانني الله و أسرتُك، لسارعت بقطع رأسك.”
قال صلاح الدين: ” خنزير، أنت في يدي، و تجيبني بهذه الصفاقة”.
و هنا أمر صلاح الدين بصرف الأسيرين. لعله لم يرد أن يتخذ قراراً بشأنهما و هو غاضب.
لوحة تصور نهاية رينالد دي شاتيليون ( أرناط)
و بعد مدة أمر صلاح الدين بإحضار رينالد دي شاتيون بمفرده، و قال له ” ها أنا انتصر لمحمد صلي الله عليه و سلم”. ثم أتاح له فرصة أخيرة لاعتناق الإسلام، فأبي رينالد.
أخذ صلاح الدين خنجره المعقوف و ضرب ذراع رينالد ففصله عن كتفه، و سارعت حاشية صلاح الدين بقطع رأس رينالد دي شاتيون، أو السفاح أرناط.
أما المللك جي دي لويزنيان، ملك مملكة بيت المقدس الصليبي، فقد أبقي صلاح الدين علي حياته، و قال له أن عادة الملوك ألا يقتلوا الملوك، و أطلق سراحه بعد مدة بعد أن أقسم ألا يعود إلي محاربة المسلمين.



0 comments:

إرسال تعليق