قيام الخلافة الأموية
الأمويون هم بيت عربي عريق في الحكم و الخلافة قبل و بعد الإسلام. ينتسب الأمويون إلي أمية ين عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. كانوا في الجاهلية من أكبر بطون قريش و أوسعها نفوذاً و ثراءاً.
دخل زعيمهم أبو سفيان بن حرب في الإسلام في عام فتح مكة 10 هج، و تبعته زوجته و ابنه معاوية و بقية أبناء عشيرته.
بعد مقتل عثمان بن عفان عام 35 هج، اضطرب الأمر في كل الولايات الإسلامية و من بينها مصر، و انحازت فئة إلي معاوية بن أبي سفيان الذي كان والياً علي دمشق تطالب بدم عثمان، و فئة أخري إلي علي بن أبي طالب الذي تولي الخلافة من بعد عثمان.
و في عام 40 هج قُتل علي بن أبي طالب علي يد عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج، و هو يدخل مسجد الكوفة ليصلي الفجر. و خلفه ابنه الحسن الذي تخلي عن البيعة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هج حقناً لدماء المسلمين. و بذلك اجتمعت الخلافة و البيعة لمعاوية بن أبي سفيان من كل المسلمين.
حوٌل معاوية الخلافة من نظام الشوري و البيعة إلي نظام الملك و الوراثة، و استخلف ابنه يزيد قبل وفاته.
الأمويون يوطدون دعائم ملكهم
و في عهد يزيد بن معاوية، ظهرت المعارضة لملك الأمويين، و تزعمها الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي رفض أن يبايع ليزيد، و صار إلي الكوفة بعد أن دعاه أهلها لينقضوا بيعة يزيد. و لكن جيش يزيد اعترض اتباع الحسين و تقابلوا في موقعة كربلاء عام 61 هج/ 680 م التي انتهت بمقتل الحسين بن علي و فناء جيشه و إخماد معارضة آل البيت.
و لكن مالبث أن ظهر معارض جديد لملك بني أمية و هو عبد الله بن الزبير الذي أخذ البيعة لنفسه و بايعته كثير من الأمصار. فأرسل يزيد بن معاوية جيشاً يحاصر مكة التي اعتصم بها عبد الله بن الزبير.
و في تلك الأثناء، توفي يزيد و تخلي ابنه مهاوية عن ملك طواعيةً، فوثب علي الخلافة مروان بن الحكم من بيت الأمويين، و استطاع أن ينتزع الأمصار الإسلامية من ولاة عبد الله بن الزبير، و هزم جيش عبد الله بن الزبير في موقعة مرج راهط عام 64 هج/ 684م، و قُبض علي عبد الله و قتل، و بذلك توطدت أركان ملك بني أمية في بيت مروان بن الحكم و أولاده.
و الحقيقة أن البطش الشديد الذي مارسه الأمويون للقضاء علي ثورات المناصرين لعلي و الحسين و تنكيلهم بآل البيت قد أوغر صدور الكثيرين ضدهم. هذا بالإضافة إلي تعصب الأمويين ضد كل من هو ليس بعربي مما أهاج أهل فارس و خرسان و دفعهم للانضمام للدعوة الشيعية التي ستظهر بعد ذلك و يرفع لواؤها العباسيون مما سيقوض ملك الأمويين كما سيأتي.
فتوحات الأمويين
تميزت الخلافة الأموية بكثرة الفتوحات التي انتشرت في الشرق و الغرب، ففي عهد عبد الملك بن مروان استأنفت الحملات علي الدولة البيزنطية، و في عهد الوليد بن عبد الملك فتحت الأندلس، و قام قتيبة بن مسلم بفتوحات كبيرة في بلاد ما رواء النهر ففتح طخارستان 87- 90 هج و بخاري 87- 90 هج، و عبر نهر جيحون و أخضع بلاد سجستان 92 هج و خوارزم 93 هج و سمرقند. كما سار إلي الشرق حتي وصل إلي نهر سيحون و أوغل في بلاد الصين حتي مقاطعة سيكيانج. و هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام في الشرق.
كما فُتحت بلاد السند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي.
تسلسل حكم الخلفاء الأمويين:
- معاوية بن أبي سفيان (40- 60 هج / 661- 680م)
- يزيد بن معاوية (60- 64 هج/ 680 – 683 م)
- معاوية بن يزيد (64 هج / 683 م)
- مروان بن الحكم (64- 65 هج/ 684 – 685 م)
- عبد الملك بن مروان (65-86 هج / 685 – 705 م)
- الوليد بن عبد الملك (86- 96 هج / 705 – 715 م)
- سليمان بن عبد الملك (96 – 99 هج / 715 – 717 م)
- عمر بن عبد العزيز ( 99 – 101 هج/ 717 – 720م)
- يزيد بن عبد الملك ( 101-105 هج/ 720 – 724 م)
- هشام بن عبد الملك ( 105 – 125 هج/ 724 – 743 م)
- الوليد بن يزيد (125 – 126 هج / 743 – 744 م)
- يزيد بن الوليد (126 هج / 744 م)
- إبراهيم بن الوليد ( 126- 127 هج / 744م )
- مروان بن محمد ( 127 – 132 هج/ 744- 749م)
نهاية ملك بني أمية
نتيجة البطش الشديد بآل البيت و المتشيعين لهم، تحولت الدعوة الشيعية ضد الأمويين إلي دعوة سرية كوسيلة لنشر أفكارهم و حماية أنفسهم من بطش بني أمية.
و لكن علي الرغم من ذلك، علم الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بأن زعيم الشيعة في ذلك الوقت هو أبو هاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فدعاه إلي قصره ذات يوم و قدم له طعاماً مسموماً. و عندما غادر أبو هاشم قصر الخليفة شعر بالسم يسري في جسده، فسارع بالذهاب إلي قرية الحميمة جنوب الشام، و كانت المركز السري للشيعة. و هناك التقي بمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس و اطلعه علي التنظيم السري للشيعة ليتولي هو الدعوة إليه و تجميع صفوفه لمحاربة الأمويين.
و من ذلك الوقت بدأ بنو العباس في العمل علي استخدام الدعوة الشيعية لتجميع الناس حولهم و تقويض ملك بني أمية الذي اعتمد علي العصبية العربية و القسوة في معظم المناطق غير العربية. لذلك وجدت الدعوة الشيعية التي حمل لواءها بنو العباس صدي في بلاد فارس و خرسان.
و نودي بأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أميراً للمؤمنين لدولة بني العباس. و حمل لواء دعوة العباسيين في خراسان أبو مسلم الخرساني الذي أخذ يطوف بسكان خرسان يدعوهم للثورة ضد الحكم الأموي. فاستطاع في خلال أربع سنوات أن يجمع القبائل الفارسية و العجمية حوله.
و في شوال 129 هج أصبحت الدعوة العباسية علنية، فرفعت الرايات السوداء رمز العباسيين. و استطاع أبو مسلم الخرساني أن يخضع خرسان كلها تحت حكمه. و بذلك وضع اللبنة الأولي للدولة العباسية.
و في عام 132 هج أرسل أبو مسلم الخرساني جيشاً بقيادة قحطبة بن شيب إلي العراق فاستطاع هزيمة الأمويين و ضم العراق لدولة بني العباس الوليدة.
و بذلك تهيأ العباسيون للانقضاض علي مقر الخلافة الأموية في دمشق، فجهز خليفة العباسيين جيشاً كبيراً من 300 ألف رجل من بلاد فارس علي رأسهم عبد الله بن علي. و أعد الخليفة الأموي مروان بن محمد جيشاً كبيراً من 120 ألف رجل لملاقاة جيش العباسيين، و التقي الجيشان في موقعة نهر الزاب في شمال العراق. استمرت الموقعة يومان و انتصر العباسيون انتصاراً ساحقاً و فر الخليفة الأموي إلي دمشق، و فر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ( عبد الرحمن الداخل) إلي المغرب و منها إلي الأندلس حيث أسس الخلافة الأموية الزاهرة في الأندلس و التي شهدت ذروة ازدهار الحضارة الإسلامية.
طارد جيش العباسيين بقيادة عبد الله بن علي فلول جيش الأمويين و خليفتهم مروان بن محمد الذي لجأ إلي دمشق. فضرب العباسيون حصاراً علي المدينة استمر عدة أيام ثم دخلها جيش العباسيين و تتبع قادة الدولة الأموية و قتلهم جميعاً . فهرب مروان بن محمد إلي مصر. فتبعه جيش العباسيين حتي أوقعوا به في بلدة بوصير في الفيوم فقتلوه و قطعوا رأسه و ارسلوها إلي خليفتهم أبي العباس، الذي سمي في التاريخ بأبي العباس السفاح لبطشه ببني أمية و قتله عدد هائل منهم. حتي أن قبور بني أمية لم تسلم من بطشه فقام بنبشها و إحراقها و علي رأسهم قبر معاوية بن أبي سفيان.
و بذلك انتهت دولة بني أمية التي استمرت قرابة مائة عام و حكم فيها 14 خليفة أموي، ثلاثة من بيت معاوية بن أبي سفيان، و الباقون من بيت مروان بن الحكم.
و تمثل الخلافة الأموية نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي الممتد ألف و أربعمائة عام. فهي الخلافة التي قلبت موازيين النظام السياسي الإسلامي و اسسته علي الملك و التوارث بدلاً من الشوري و الاختيار. و هي بداية عصر ظهور طبقة الساسة من أصحاب المصالح و الأثرياء و توليها الحكم، مثل بيت معاوية و بيت مروان بن الحكم، و تحول الزعامة الدينية من أئمة و فقهاء من مقاعد الخلافة إلي مقاعد المعارضة، مثل الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير. و لا يستثني من ذلك إلا عمر بن عبد العزيز الذي جمع الأثنين و لم يطل حكمه أكثر من ثلاثة أعوام.
كما أن الخلافة الأموية هي المسئولة بصورة كبيرة عن الجرح الغائر الذي أصاب الكيان الإسلامي و المتمثل في قيام المذهب الشيعي. فالبطش الذي مارسه الأمويون ضد المتشيعين لآل البيت و استشهاد شخصيات كبيرة نتيجة هذا البطش مثل الإمام الحسين و عبد الله بن الزبير و أنصارهما، هو الذي أحدث هذه القطيعة و التباعد بين فريقين سياسيين ما لبثا أن استخدما الدين لتوطيد هذه الخلاف و هذه الفرقة، فترتب علي ذلك ظهور مذهب ديني مختلف هو المذهب الشيعي.
و الحقيقة أن الخلافة العباسية اختلفت عن الخلافة الأموية في كثير من الأشياء، منها أن الخلافة الأموية اعتمدت في حكمها علي العصبية العربية و مساندة القبائل العربية، في حين أن الخلافة العباسية قامت علي المساواة بين الرعية من العرب و العجم، فنجد الموالي صاروا يتولون المناصب الكبيرة في الدولة علي قدم المساواة مع العرب. و أصبحت العناصر الفارسية ثم التركية مقام كبير في الجيش.
كما أن الفتوحات المتوالية في عهد بني أمية قد قلت و تباعدت في عهد بني العباس، فتفرغ الناس للدراسة و العلوم و المعارف بصورة كبيرة، و لقي العلماء تشيجعاً كبيراً من الخلفاء و خاصاً في عهد المأمون.
0 comments:
إرسال تعليق