الاثنين، ٧ يناير ٢٠١٣

طلعت حرب و تمصير الإقتصاد


كانت مصر محتلة سياسياً بالقوات البريطانية، و لكنها كانت محتلة أيضاً اقتصادياً بالشركات و الوكالات و المصارف الأجنبية، فتجارة مصر الخارجية من صادرات و واردات و المصارف و البورصة و شركات التأمين و الصناعات المهمة كلها كانت في يد الأجانب.
و كان قطاع البنوك من أكثر القطاعات سيطرة من الأجانب فلم يكن هناك بنك واحد وطني. و بدأت فكرة إنشاء بنك وطني من بدايات القران العشرين عندما تعرض أحد البنوك الأجنبية لهزة كبيرة فقام بإغلاق فروعه و منع الناس من سحب أموالهم المودعة فيه.
و الحقيقة أن قصة إنشاء بنك مصر و هو باكورة حملة تمصير الاقتصاد هي قصة تدل علي ما وصل إليه الشعب المصري من قمة النضج في المطالبة بحقوقه و الإصرار عليها و تكاتف مختلف طوائف الشعب للوصول إلي الهدف المنشود و هو تحرير الاقتصاد من الاحتلال الأجنبي.
و كما كانت ثورة 1919 ثورة المطالبة بالحقوق السياسية و رفض الاحتلال، كان إنشاء بنك مصر ثورة للمطالبة بالاستقلال الاقتصادي.
بدأت القصة بسلسلة مقالات كتبها طالب في كلية الحقوق اسمه محمد بدوي البيلي يدعو إلي حملة لإقامة بنك وطني بأموال وطنية و إدارة وطنية ليكسر احتكار الأجانب لهذا القطاع و يستثمر أموال المصريين في مشروعات وطنية في مصر بدلاً من البنوك الأجنبية التي تحصل علي أموال الشعب و تستثمره في دولها.
و تتابعت بعدها مقالات كتبها طالبي حقوق آخرين بنفس الدعوة. و تلقت الصحافة هذه الدعوة و بدأت تنشر لها و تعضدها و تدعو رجال الاقتصاد في مصر لتأسيس هذا البنك، و تدعو المصريين إلي سحب أموالهم من البنوك الأجنبية و إيداعها في البنك الوطني الذي سيتم إنشائه.
و ما لبث أن استجاب أصحاب الأموال في مصر و اجتمعوا ليشكلوا رأس مال أول بنك وطني برأس مال 80 ألف جنيه، و كان أكبر المساهمين هم: عبد العظيم بك المصري و علي باشا إسماعيل و محمد طلعت حرب و أحمد مدحت يكن و يوسف باشا أصلان قطاوي، و عبد الحميد السيوفي و فؤاد سلطان و إسكندر مسيحة و عباس بسيوني الخطيب.
و في 5 أبريل عام 1920م صدر المرسوم السلطاني موقع من السلطان فؤاد بتأسيس شركة مساهمة تدعي بنك مصر. و في 20 مايو 1920م ألقي طلعت حرب خطبة بمناسبة بدأ أعمال بنك مصر في دار الأوبرا. و كان أول مقر لبنك مصر يقع في شارع أبو السباع في وسط البلد.
و الحقيقة أنه يحسب للسلطان فؤاد إقدامه علي إجازة هذا المشروع خاصة و أن مصر مازالت تحت الحماية البريطانية. كما أن دار المندوب السامي لم تتدخل لعرقلة المشروع، أولاً بسبب حالة الغليان الشعبي في أعقاب ثورة 1919، و ثانياً ربما لاعتقادها أن المشروع الصغير لن يستطيع أن يصارع الحيتان الكبيرة و هي المصارف الأجنبية في المياه العميقة، و هو ما استطاع المصريون أن يثبتوا خطأه.

0 comments:

إرسال تعليق