الإنسان فى مصر القديمة
ولما كانت اهرامات الجيزة أو بالاحرى هرم خوفو بالذات يمثل ذروة ما وصلت إليه إمكانيات الإنسان و حضارته و كان بناؤها قد تم كما قدمنا فى الالف الثالث قبل الميلاد ، فلابد ان تكون مظاهر الحضارة قد سبقت ذلك التاريخ ببضعة آلاف اخرى من السنين ، و اكثر التقديرات تواضعا لبدء الحضارة فى مصر القديمة ترجع إلى منتصف الالف السادس قبل الميلاد . فقد خلف لنا المصري القديم فى هذا العهد المبكر ما يدل على انه قد تجاوز العصر الحجري القديم و الاوسط و بدا العصر الحجري الحديث الذى لم يبدأ فى مناطق أخرى إلا بعد ذلك ببضعة آلاف من السنين . فلم يعد المصري يجيد التكلم و يحذق صنع الآلات و إشعال النيران و يستأنس الحيوان و يزرع الأرض بطريقة بدائية فحسب ، بل كان قد دخل بالفعل إلى متطلبات التطور الزراعي فاصبحت الآلات أكثر تطورا وفاعلية كالفؤوس و القواديم و أسنان المناجل ، و زاد عليها صناعة جديدة تمثل درجة من الحضارة و هي صناعة الفخار ، أي صنع الأواني من الطين ثم حرقها بعد ذلك بالنار لزيادة صلابتها : بل أنه ذهب إلى أبعد من ذلك فبدأ يلون هذه الأواني ويرسم عليها .
صناعة النسيج :
وبدأ الانسان المصري فى هذا العصر السحيق ، الصناعة الاخرى التي لا تزال حتة الآن تعتبر أهم صناعة فى الوجود ، لانها صناعة الكساء عن طريق الغزل ، وقد خلف لنا الإنسان المصري فى آثاره من هذه الحقبة أنسجة الكتان التي يعجب أئمة النسيج فى أيامنا هذه كيف استطاع المصريون ان يتطوروا فيما بعد بهذه الصناعة إلى هذا الحد المعجز . و اذا كان الانسان المصري قد حذق صناعة الفخار و النسيج فلا عجب اذا خلف لنا فيما خلف من صناعات هذا العهد ، السلال و الحصير و الحبال و تغص اليوم المتاحف و دور العادبات بهذه الاثار التي استجلبت كلها من مناطق معروفة و مشهورة بين علماء الآثار و المشتغلين بالتاريخ هي مرمدة بنى سلامة - حلوان - الفيوم - دير تاسا .. إلخ .
عصر بداية المعادن فى مصر :
وتلا هذا العصر الحجرى الحديث المبكر فى مصر عصر بداية المعادن ، أي منذ أواسط الألف الخامس قبل الميلاد ، فبدانا نرى مصنوعات نحاسية فى منطقة البدارى بأسيوط و منطقة نقاده .
ويحاول الباحثون وعلماء الآثار ان يتخيلوا كيف توصل المصري القديم إلى استخلاص النحاس من مركباته لاول مرة من خلال عمليات الصهر بالنار ، و يبدأ خيالهم من الحقيقة الثابتة وهى أن النحاس متوفر فى شبه جزيرة سيناء حيث يختلط بكربوناته الخضراء ( التوتيا الخضراء ) و الزرقاء ( كبريتات النحاس ) فلابد أن يكون حدث مرة أن استعمل بعض هذه الأحجار فى موقد من المواقد فإذا هو يكتشف يوما من الأيام بمحض الصدفة قطعة من المعدن البراق فى مخلفات النار .
وكيفما كان الأمر فقد عرف المصري القديم صناعة التعدين وهى إستخلاص النحاس من مركباته مبتدئاً بذلك مرحلة من مراحل التطور البشرى ، و تتجلى أهمية هذا الكشف إذا تذكرنا ان النحاس لا يزال هو أعظم وسيط لنقل الكهرباء التي تؤلف القوى المحركة فى دنيانا الحديثة .
وهكذا بدانا نرى فى آثار المصري القديم الادوات الحجرية القديمة و الفخار .
ومضت صناعة الآلات فى تطورها نحو الفاعلية و الدقة ، فطرأ تغيير جديد على صناعة البناء .. إذ أصبح المصري يبنى بيته بقوالب منظمة الشكل من الطين بدلا من هذه ( الجواليص ) غير المنظمة التي كان يبنى بها مسكنه من قبل . ومع أكتشاف صنع قوالب الطين ( اللبن ) كانت صناعة البناء تدخل مرحلة جديدة سوف تصل فى ذروتها غلى الاهرام كما سترى .
إنشاء المدن :
وظهرت المدن بمعناها المفهوم لنا لأاول مرة على صفحات التاريخ حيث يسكن الزراع و الصناع وأصحاب الحرف الاخرى الى جوار بعضهم فى علاقات منظمة
تحكمها سيادة واحدة و تقاليد واحدة ، و انظمة واحده . وكانت المدينة تنشأ دائما حول هيكل الرب المعبود لهذه الجماعة . و لا شك فى ان كاهن هذا العبد و سادته كان هو أول حاكم وملك للجماعات الاولى فقد كانت السلطات كلها تنحدر من هذا الاله ، و القوانين و التعاليم و الاوامر و النواهي كلها لا تتصور الا باعتبارها اوامر الإله ، فكان الناطق باسم لاله هو دائما صاحب السلطة و الامر المطاع … و هي حالة ستظل تقابلنا فى كل مجتمع من المجتمعات القديمة … و ستظل تهيمن على المجتمع البشرى خلال العصور ، ولا نكاد تخف حدتها فى بعض المجتمعات حتى تعود لسلطانها كاقوى ما كانت فى أي وقت مضى . كما سيكون عليه الحال فى أوربا فى ظل المسيحية وبابوات المسيحية ثم ملوك المسيحية .
0 comments:
إرسال تعليق